الرسالة الثالثة
مرحباً، كيف الحال؟
كيف يبدو يومك؟ وكيف هي حياتك؟
أحب أن افكر بالكتابة كوسيلة لي للتخفف من أعباء الحياة ولإخراج الأفكار والمشاعر من عالمي الداخلي الصغير للخارج، للفراغ، للحياة.. لاحظت من شهر أني لم أكتب منذ مدة طويلة، واكتشفت أن ذلك يعود لفكرة بأني أرغب لأي شيء أكتبه أن يكون مثالياً وكاملاً. له هدف وفائدة وفكرة وقصة ومعلومة.. توقعات عالية أرسمها وأفرضها على نفسي ككل شيء آخر في حياتي.. أتحدى معايير خيالية دائمة الارتفاع في رأسي، لأحصل على جوائز وهمية في نهاية كل سباق، بأني الأكثر تحملاً والأكثر صبراً والأكثر قدرة على التحكم..
ظننت بأنني تحسنت فيما يخص التحكم في حياتي، لم أعد مهووسة بالتحكم بكل التفاصيل كما كنت من قبل، لم يعد فشل المخططات يدمرني ويجمد قدرتي على التصرف، أصبحت أكثر مرونة وقدرة على التأقلم. لاكتشف بأن هذه الرغبة مازالت موجودة بشكل أقل ولكنها غيرت تموضعها.. أصبحت أرغب أن أسيطر على جسدي، أكلي، روتيني اليومي، مشاعر من حولي تجاهي. بشكل مبالغ فيه. يجب أن يكون كل يوم مثالياً تماماً حسب الخطة، أن تكون طاقتي واستطاعتي متشابهة كل يوم، والا سأكون فاشلة وغير ملتزمة ولن أستطيع تحقيق شيء.. أتخفف من هذا الحمل شيئاً فشيئاً، أفشل أحياناً وأنجح أحياناً أكثر..
أظن أكبر دليل بأن هذه التدوينة لا تحقق أي من الشروط المذكورة أعلاه.
======
اكتشفت مؤخراً مصطلحاً يدعى sonder وهو إدراكك لفكرة أن كل من حولك يعيش حياة مختلفة. حياة كاملة بإيقاع مختلف تتضمن تفاصيل معقدة ومتشعبة تماماً كتعقيد حياتك التي تعيشها. حتى الغرباء الذين تمر بهم في طريقك اليومي، والأقرباء منك كعائلتك، الذين كنت تظن أنكم تعيشون حياة واحدة متشابهة. أدركت بعدها بأن حياتي كيان كبير يقاس بوحدة تدعى: الزمن.
وإمضاءي ليوم في حياة أحدهم يجعلني جزءاً من فقاعة حياته، والتي تسير بطريقة مختلفة بشكل جذري عن حياتي.
أيقنت الآن معنى النصائح الكثيرة التي تؤكد على كيفية اختيار الأشخاص المقربين، الذين سينالون امتياز بأن يكونوا جزءا من يومك، أحياناً دون إذن منك. باتصال، برسالة، بحديث، بكلمة.. هل ستجعل مداخلاتهم هذه عالمك أفضل؟ أم ستخلّف فوضى لا داعي لها؟
بنيت هذه الحياة التي أحياها اليوم –والتي أحبها جداً– حجراً بحجر، وسأكون حذرة دائماً بمن يكون جزءاً منها.
======
كبرت مع فكرة أني شخص كتوم، كانت أمي وإخوتي يشعرون دائماً بأنهم لا يستطيعون سبر ما بداخلي بسهولة، بقيت اسمع تعليقات مشابهة من أصدقائي المقربين بعد ذلك. أشارك تحديثات كثيرة خلال جلسات الأصدقاء حتى أنني كثيرة الكلام أحياناً، وهذا ما يُخيّل للأشخاص بأنهم يعرفونني جيداً أو يعرفون حياتي. ولكني في الحقيقة أميل للانكفاء على نفسي عندما أشعر أني لست على ما يرام كعصفور خائف. قليلة الحديث عما يؤرقني فعلاً، لا أجد التكشّف مشاعرياً مع من حولي أمراً سهلاً.. أخافه جداً. إلا في حال توافر شروط معينة.. لا تتعلق في أحيان كثيرة بالمدة الزمنية أو بطول العلاقة مع أحدهم.
يحدث أمر جلل ما في حياتي، أعيشه، أبكيه، أرثيه وحيدة.. لأعود وأرويه لاحقاً لمن حولي بصيغة الماضي.
لا أظن أن هذه من السلوكيات الأكثر صحة.. أو أقولها كمدعاة للفخر أبداً. قد يعود ذلك إلى اضطراري بالاعتماد على نفسي مشاعرياً ونفسياً من عمر صغير، فكبرت بمعتقد بأن مشاركة ما أحسه قد يشكل عبئاً غير ضرورياً وغير ملزماً لمن حولي.
======
أتصالح مؤخراً مع فكرة “تاريخ انتهاء الصلاحية“.
لا يمكنك أن تتوقع من نفسك ومن الآخرين الاستمرار بنفس الرغبات والمشاعر والاندفاع بشكل مستدام ومستمر، دون تغير ودون انتهاء..
بعض أو حتى كافة الأشياء ستصل لتاريخ انتهاء صلاحية.. حيث لن تعود قابلة للاستهلاك البشري..
قد يحررك هذا الإدراك ويفك قيود توقعات الآخرين من خيالك، ويعيد إليك حقك بالتغيّر. ولكنها فكرة مرعبة أيضاً لأنها تذكرك بألا تعوّل على مشاعر أحدهم، فلا شيء مضمون حينما يتعلق بالبشر..
مناوراتك وانتظارك يُبهت الأشياء ويفقدها معناها إن جاءت بعد تاريخها..
وأعيد تكرار جملة قرأتها قديماً جداً في مدونة هبوش تقول «ما أحبه اليوم قد استقبحه غداً.. لا تأخذ لي رأياً على محمل الأبدية»
======
تبدو مثيرة للسخرية أحياناً الاكتشافات التي تعيشها بعد التفكير ملياً أو التأمل بنمط سلوك معين لديك مع معالج أو صديق أو حتى مع نفسك.. كأن تمتد يد لتمسح بخار الماء المتراكم على مرآة الحمام لترى انعكاسك من جديد، نظيفاً وحقيقياً وواضحاً..
أوصفه بالساخر لأن ذكر هذه الاكتشافات خارج سياقها يجعلها مدعاة للضحك من شدة بساطتها أحياناً، فما معنى بأن جملة مثل “ما فيكي تطلبي من حدا المشاعر يلي كان لازم يعطيكي ياها وأنتي عمرك عشر سنين بعمر التلاثين” كانت واحدة من أعظم لحظات الإدراك لي الشهر الماضي. كان داخلي وعقلي اللاواعي ما زال يستجدي مشاعراً كان من المفترض أن تُقدم لي حينها. كبرت وأنا انتظرها وأخترع حججاً لمن حولي لتأجيلها وتأخيرها.. غير موقنة بانتهاء ‘تاريخ صلاحيتها‘ وغير مدركة بتأثير ذلك على الكثير من سلوكات حياتي، وبأني وسأكون غير قادرة على استقبالها الآن حتى لو تم عرضها، لأني ببساطة لم أعد لجين ذو العشر سنوات.
يبدو الموضوع أشبه بتغيير طفيف في زاوية الرؤية يجعلك ترى المنظر باتساع أكبر. شخص ما يُغير جهة دوران كرسي المكتب المتحرك لك، فيجعلك تدرك إطلالة الشباك الأخاذة على يسار شاشة حاسوبك الضيقة.
قرأت تدوينة جميلة من مدونة قصاصات هيفاء عن هذا الموضوع أنصحك بقراءتها
======
نتحدث كثيراً عن حب الأهل المشروط، ولكن ماذا عن حبنا المشروط لأنفسنا؟ ما معنى جملة “أفضل نسخة من نفسك” المنتشرة في فيديوهات اليوتيوب وبودكاست التطوير الذاتي؟
أنا الآن أفضل نسخة من ذاتي.. وفي كل يوم أنا أفضل نسخة من ذاتي.. بإخفاقاتي وفشلي ومحاولاتي اليومية أعيد تعريف النسخة الأفضل من نفسي كل يوم. أحاول أن أتذكر ذلك في نوبات القلق مؤخراً.. والأهم أن أتذكر بأني محبوبة ومقبولة دون شروط، دون أن أركض لاهثة باتجاه النسخة الأفضل من نفسي، النسخة المُشتهاة، المُتخيلة، الوهمية.. والتي ربما ليست أنا ولا تشبهني..
======
تحديثات حياتي ورسالتي هذه المرة طويلة وغير مترابطة كالعادة. كيف تبدو حياتك في الشهور الأخيرة؟ وفي أي نسخة من نفسك تعيشين اليوم؟ هل تظنين أننا نحتاج فعلآً أن نكون نسخاً أفضل من أنفسنا، أم نحتاج فقط من يرى النسخة الحالية دون فزع ودون أن يرغب بالهرب؟
كتبت هذه التدوينة على أنغام هذه الأغنية
وصورة الغلاف من جلسة تأمل في إحدى حدائق لندن يوم أمس
13-07-2025
بظن.. النسخة الافضل مننا هية النسخة السعيدة الهادية من جوا، بيقولوا عنها:
Simply being
لان احياناً، بحسب معتقداتنا، منفكر النسخة الافضل مننا راحت،لما كنا انحف او اصغر او بشرتنا احلى او كان في جنبنا حدا عم يسندنا او لما كنا مقضينا تسلاية والحياة اسهل، و احياناً منفكر النسخة الافضل هية الجاية، بس نكبر و ننضج و نصير اوعى واشطر و انحف كمان مرة تانية.. وهيك بتصفى نسختنا الحالية منهارة مو عرفانة كيف بدا
Simply being