فَلنَعبر..

نشر في: 14 يناير, 2023 | الأقسام: متفرقات | 5 تعليقات on فَلنَعبر.. |

الساعة تقارب الثانية عشر في اليوم الأخير من السنة. تغريني فكرة الكتابة وشيء ما يدفعني لأخلّد هذا اليوم بكلمات هنا.
كانت سنة مفصلية في حياتي على أصعدة عدة، وما فتئت أكتب عنها على منصاتي في مواقع التواصل الاجتماعي.

أعدت مشاهدة فيلم (طعام، صلاة، حب) يوم أمس للمرة الثالثة على ما أظن.
شيء ما في هذا الفلم يدفعني إليه في كل مرة أرغب باختيار فلم لا على التعيين لمشاهدته.

بعد محاولات جهيدة من البطلة (ليز/جوليا روبرت) لإعادة السيطرة على حياتها، والبحث عن التوازن المنشود بين الحياة الروحية والنفسية والمادية كما يخبرها المرشد الروحي (كيتوت). تقع في الحب، وتركض هاربة منه بعد أن أخلّ بتوازن حياتها.
إلى أن يخبرها (كيتوت) بأن فقدان التوازن من أجل الحب، هو جزء من التوازن نفسه.

ترعبني وتطمئني هذه الفكرة بآنٍ معاً.

جاهدتُ طويلاً خلال هذه السنة لكي أصل إلى التوازن الذي أنا عليه الآن. لأحبَّ الحياة التي أعيشها، ولأحب نفسي من خلالها. أحافظ عليها وأحميها كجوهرة ثمينة. وبقدر ما تخيفني فكرة أن أغامر بخسارة كل هذا من أجل الحب، تحمسّني أيضاً الفكرة ذاتها. أن تُقدّم حياتك التي بنيتها يوماً بيوم كطفل صغير، لتكون مشاعاً لطرف آخر. وقتاً وجهداً ومكاناً.

يخبرها حبيبها بأن التوازن الحقيقي هو بأن لا تسمح لأحد بأن يحبها أقل مما تحبّ نفسها. وبأنه هو أيضاً لديه نفس مخاوفها، ولكنه مستعد لتجاوزها في حال كانت جاهزة لفعل هذا معه.

 

تريند جديد ينتشر على فيسبوك تزامناً مع الأيام الأخيرة من السنة، حيث يتحدى الأشخاص بعضهم بكتابة قائمة الفشل. قرأتُ قائمة لإحدى الفتيات ذكرت فيه (عمري 28 وفشلت في الارتباط). أوه. فكرت.. هل تنطبق عليّ العبارة ذاتها؟ وهل سأُضمِّن هذا البند ضمن قائمة إخفاقاتي لهذا العام في حال كنت سأكتب واحدة؟

فشلت في الارتباط؟ لا. لا أظن ذلك. ما من شيء يدعى فشلاً في الارتباط أصلاً. أو هكذا أظن.

فالارتباط يحتاج طرفين، جهتين، شخصين.. وما من فشل يُلام به طرفاً واحداً دوناً عن غيره.

 

سألني صديق البارحة خلال حديث “ما تعريف الوحدة بالنسبة لكِ؟”

لا تعريف جاهز، ولكني تذكرت تعريفاً جميلاً كنت قد قرأته واحتفظت به يقول:

“Loneliness isn’t about being by yourself. That’s fine, right and good, desirable in many ways. Loneliness is about finding a landing-place, or not, and knowing that, whatever you do, you can go back there. The opposite of loneliness isn’t company, it’s return. A place to return.”

– Jeanette Winterson, The Stone Gods

هل لدي مكاناً لأعود إليه؟ ما شكل هذا المكان وما صفاته؟

فكرت بصوتٍ عال، وللمرة الأولى أصارح نفسي، ربما أود أن أكوّن عائلة تكون هي (مكاني).

يبدو هذا سبباً أنانياً، ويبدو غريباً وبعيداً عني وعن شخصيتي ورغباتي التي أعرفها. ولكن ربما هم محقّون، الزمن يغيّرنا بالفعل.

نكبر في مجتمعنا الشرقي مع فكرة أن وجود الذكر في حياة الأنثى سيلغي أحلامها وطموحاتها، سيؤطّرها لتصبح ربة منزل مملة.
لا أنكر بأن هذه الفكرة تخيفني أحياناً أيضاً. لديّ الكثير من الأحلام، وما زلت على طريق تحقيقها. كيف سأدخل هذا القفص الذي يسمُّونه ذهبياً لأعيش فيه وأترك براح العيش الوسيع؟

 

أتناوب هذه الفترة على سماع أغنيتين ربما هم أبلغ تعبيراً عن هذا التناقض:

أغنية ميس حرب – يا ليتني
قصيدة للشاعرة الكويتية ميس السويدان*

وأغنية عبير نعمة – شو بعمل بالدنيا بلاك؟

 

بنهاية فيلم (طعام، صلاة، حب) بعد أن تقرر (ليز) أن تبقي على حبّها وأن تغامر بفقدان توازن حياتها من أجله.

تخبر حبيبها أنها أخيراً وجدت “كلمتها”. (حيث أنه حسب الفيلم هناك لكل منّا كلمة تعبّر عنه).

كلمتها كانت (Attraversiamo / Let’s cross over)، فَـلنعبر

بعد عام كامل من رحلة البحث عن ذاتها، وافقت على أن تعبر للضفة الأخرى مع من تُحب.

استقالت من حراسة كمال حياتها، وأخذت قفزة ثقة.

وأنت هل تؤمن بوجود من يستحق أن تعبر معه؟

————————————————————————-————————————————————————-

 

*قصيدة يا ليتني –  ميسون السويدان:

يا ليتني خارج الأحلام لم أرَهُ

حتى يظلّ لقلبي ما له خفقا

*
مَن للكمالِ بلا وهمٍ لِيَحرُسَهُ؟

وكم أرادَ فرارًا منه فانسحقا !

*
وقعتُ في حبّ شخصٍ لا وجودَ له

إلا هنا .. بخيالي .. كلّما خفقا

*
وكلُّ مَن يخلق الأشياءَ مِن عدَمٍ

يومًا يعودُ عليه كِذْبُ ما اختلقا

*
ما عاد قلبي دليلاً لي على أحدٍ

والقلبُ منذ متى في نبضِهِ صدَقا؟

*
يجري سريعًا فؤادي اليوم، ثم غدًا ..

تقولُ عينايَ؛ ليت النبضَ ما انطلقا!

*
ما كنتُ رافضةً حبّا حلمتُ به

لكن حقيقته والحلم .. ما اتّفقا

*
ما العاشقان سوى طفلين شَدَّهُما

سِتْرٌ، فإن أبصرَا ما خلفَهُ .. افترقا

————————————————————————-

بدأت في 31 كانون الأول، وخُتمت في 14 كانون الثاني/2023

مصدر صورة الغلاف

شارك ما قرأت

العام الأول خارج البلاد
عن السوريين.. ملوك الهلع

5 Comments

  1. […] سأضجركم بالحديث عن هذا الفلم مرة آخرى في هذه التدوينة؟ بالطبع لا. في الحقيقة سأحدثكم عن شيء […]

  2. أمير صبّاغ 17 يناير, 2023 في 9:50 ص - الرد

    الحب والارتباط بين شخصين بيعني مشاركة كل شي.. السيء قبل الجيد والفشل قبل النجاح والحزن قبل السعادة
    تفشل اغلب العلاقات بسبب فهم الطرفين انه هاد الطرف المرتبط فيه موجود ليسعدني ويغيرلي حياتي للافضل ولكن بالعكس تماما الطرف التاني موجود لحتى نواجه الحياة وصعوباتها معه ونضحك ونبكي ونفرح ونزعل معه و بهالطريقة الوحيدة بيقدروا يعبروا كل السنوات ويبقوا مع بعض مهما كانت الظروف.

  3. Dania 15 يناير, 2023 في 12:23 ص - الرد

    Lovely

اضف تعليقاً