مسلسل كريستال.. حينما تصنع مسلسلاً بالصدفة!

بدأ بث مسلسل كريستال من إنتاج شاهد منذ حوالي الشهر، وترافق مع عرضه ضجة إعلامية كبيرة اعتدنا حدوثها عند كل منتج من إنتاجات شاهد.

أتابع المسلسل منذ بداية عرضه، وما زالت حتى اليوم اتفاجأ في كل حلقة من المستوى الدرامي الذي ينحدر باتجاهه.

إنتاج ضخم بميزانية أكاد أجزم بأنها أكثر من ضخمة، لمنتج درامي رديء الصنع والحبكة والإخراج.

 

يتحدثون في عالم صناعة المسلسلات عن ما يمسى بـ المبرر الدرامي، والذي يعني -على حدِّ معرفتي- التتابع المنطقي في أحداث السرد الدرامي، والذي يقنع المشاهد بتسلسل الأحداث وصوابيتها المنطقية بحيث يفهم السبب والمسبب لكلِّ منها.

وهذا ما لم أجده طوال الحلقات الماضية. أحداث عشوائية لا منطقية و كليشيهات درامية تُرمى هنا وهناك، لملأ الحلقات.

كل المشاهد الرئيسية في المسلسل تحدث بالصدفة!

عليا تسترق السمع لتسمع حديثاً بين فَي وشقيقتها. فَي تُوقع الموبايل الخاص لجواد في الماء بالصدفة مما يؤدي إلى انقطاع الاتصال عنهم وضياعهم في الغابة ليوم كامل. باسل يصادف أن يكون على الدرج حينما تقرر عليا طرد فَي وعائلتها من المنزل فيفقد صوابه ويمنعها من طردهم. جواد بالصدفة يصل في اللحظة الحاسمة قبل أن يقتل أوس نفسه وينقذه وينقذ فَي من الجريمة المحتّمة. جواد يستعرض لعليا صوراً من عمليته الأخيرة في نفس اللحظة التي تُرسل له فيها فَي رسالة نصية بالغة الأهمية، فتلمحها عليا وتمسحها دون علم جواد. عليا تخرج إلى الشرفة بالصدفة في نفس التوقيت الذي يعود فيه جواد من مقابلة فَي.

وهناك المزيد…

هل تعرفون مشهد العروس الهاربة التي تصل إلى المطار قبل الإقلاع بثوان، لتخبر حبيبها المسافر أنها تحبّه وعلى استعداد للاربتباط به؟

تجدونه طبعاً ضمن المسلسل في الحلقة الخامسة والعشرين.

فلا أفهم كيف لمسلسل أن يبني قصته كاملة على المصادفات؟

أين المبررات الدرامية لكل ما يحدث؟ أين الخطوط الدرامية التي تشوّق المشاهد لتتبعها وليخمّن ما سيحدث في الحلقات المقبلة؟

 

كيف تقدّم نفسها شاهد كالمنصة العربية الأولى والرائدة في إنتاج المسلسلات العربية بهذا المستوى؟ وهل حقاً هذا ما سيؤول إليه إنتاجنا الدرامي العربي في المستقبل القريب؟

عمليات نسخ ولصق مشوّهة لأعمال تركيّة ينتج عنها أعمال هجينة غير مفهومة؟

أحب محمود نصر وأحب أداءه، كما أحب ستفاني عطالله (خارج التمثيل) بشخصيتها العفوية والمرحة على منصات التواصل وضمن برنامجها السابق على يوتيوب كزدورة.

ولكن لا أفهم كيف وصل بهم الحال لتقديم هذا المستوى من الأداء الذي أقل ما يُقال عنه أنه بدائي؟

لسان حالي يصرخ طوال فترة المشاهدة (لك وين المخرج يا الله؟)

 

يخبروننا في عالم صناعة الدراما أيضاً عن توازن القوى، لضمان أنسنة الشخصيات الدرامية.

فالدراما التلفزيونية ليست خيال علمي، والبطل ليس بسوبر مان الذي ينقذ الأشرار طيلة الوقت ولا يأبه لمصلحته أو لحياته الشخصية. على البطل في القصص الدرامية أن يرينا كمشاهدين مفارقات شخصيته بشقّيها الخيّر والشرير لنستطيع أن نبني أبعاد الشخصية الدرامية، ونتعاطف معه في أخطاءه.

ولكن هذا بالطبع لا ينطبق على بطلنا المغوار (جواد)، فهو البطل الذي لا يُشق له غبار، جابر عثرات الكرام. الذي يعرف دائماً ماذا يقول ومتى يقوله. القادر على أن يُصلح كل المشاكل من حوله. مشاكل عائلته القريبة أو البعيدة برفة عين.

 

هل تسأل نفسك أحياناً ما الذي يميّز العمل التفزيوني الجيد عن السيء؟

ما الذي يدفعك لإكمال حلقة ما من مسلسل ما؟ أو لإكمال فيلم ظهر لك عشوائياً على إحدى القنوات؟

سألت نفسي ذلك، وبحثت عن الإجابة.. الصراع!

يقول د، عبد العزيز حمودة في كتابه البناء الدرامي

“إن الصراع الدرامي في الواقع هو ذلك العنصر الذي يشدّنا إلى مقاعدنا طوال مدة العرض. فالعرض المسرحي بصفة عامة يصوّر أو يقدّم صراعاً عاماً، أو خطاً عاماً للصراع بين إرادتين تحاول إحداهما هزيمة الأخرى.”

أفهم تماماً الاختلاف بين العرض المسرحي المقصود في النص المذكور، وبين المسلسل التلفزيوني مجال الحديث، ولكن أحاول أن أبحث عن الصراع في مسلسل كريستال ولا أجده!

هل هذه المناوشات بين عليا وفَي، هي الصراع الذي تدور حوله حبكة المسلسل؟

فالصراع يجب أن يكون بين إرادتين كما ذكرنا، ولكن شخصية فَي في المسلسل لا يمكن اعتبارها كإرادة، فهي مهزومة مغلوبة على أمرها، وكافة تصرفاتها مجرد رد فعل لما حولها.

 

لنحاول إذاً سوية تفنيد الحوار، علّنا نجد نقطة قوة في هذا المسلسل تدفعنا لإكماله.

يقول د. عبد العزيز ضمن الكتاب نفسه بأن “الحوار في العمل الدرامي ليس حواراً لذاته، ليس مجرد شخصية أو شخصيتين تقفان على خشبة المسرح لتتجاذبا الحوار أياً كان، فليس كل حوار يصلح لأن يكون حواراً درامياً… بمعنى أنه لا يكفي أن نرى شكلاً أدبياً على شكل حوار لنقول أن هذا حوار درامي.

الحوار أداة لتقديم حدث درامي إلى الجمهور دون وسيط وهو الوعاء الذي يختاره الكاتب لتقديم حدث درامي يصوّر صراعاً إرادياً بين إرادتين تحاول كل منهما كسر الأخرى وهزيمتها.

ضمن الحوار الدرامي الجيد لا نستطيع أن نعثر على جملة واحدة لا تؤدي وظيفتها في تحريك الصراع أو إبرازة أو تطويره، لأن الجملة التي لا تُضيف شيئاً سواء لإظهار أبعاد الشخصية أو تطوير الحدث تُعتبر جملة ميتة.”

 

لنحلل معاً مشهد المطار (ما غيره) والذي من المفترض أنه master scene
فالبطلان سيعترفان بحبّهما لبعضهم البعض لأول مرة، بعد أن التقيا في لقطات لمدة لا يزيد مجموعها عن ثلاث ساعات متفرقة طوال المسلسل، ولكن لا يهم!

فالحب لا يعرف وقتاً أو زمناً أو سياقاً حتى (على ما يبدو)

فلنرى ما حدث في هذا المشهد.

=================================

تتلاقي أعين جواد وفَي في المطار.

جواد يركض باتجاه فَي، يحملها ويدور بها (مخرج خلي المشهد slow motion لو سمحت)

يضعها أرضاً بعد عدة لفات.

جواد: أنا بحبك كتير

فَي: أنا كمان بحبك.. كتير

قبلة على الخد

(مخرج cut لو سمحت)

انتهى المشهد!

=================================

في حال قد وجدت أي ركن من أركان الحوار الدرامي المذكور آنفاً ضمن هذا المشهد أرجوك عزيزي القارئ ساعدني وأخبرني في التعليقات!

وسأصمت كثيراً في التعليق على أداء الممثلين، وأكتفي بالتساؤل (معقول جواد هو نفسه عروة بالندم؟)

 

باختصار ودون عودة لأصول البناء الدرامي ودون تحليل “مثقفين”.

فالمسلسل باللغة المحكية cringe لأبعد حد.
وعبارة عن كليبات انستغرام ملصقة، تنفع لكليبات غنائية لا لمسلسل على المنصة العربية الأولى في إنتاج الدراما (!)

ولا أفهم حقيقة المقالات التي تُشيد بأداء وعمل الفنانين أو بالمسلسل بشكل عام؟

فهل جُنَّ المشاهد؟ أو فعلاً حجة المنتجين القائلة (الجمهور عاوز كده) صحيحة؟!

وأصبحنا كمشاهدين لا نميّز بين الجيد والرديء؟

 

إشادة أخيرة ووحيدة للممثل السوري خالد شباط بدور “باسل” على الأداء العظيم جداً، والذي يمكن بسهولة اعتباره “اكتشاف الموسم”!

وإشادة كبيرة (طبعاً!) لمروان خوري على شارة المسلسل الرائعة كلماتاً ولحناً!

 

وأنتم هل تابعتم المسلسل؟ ما رأيكم به؟

شاركوني في التعليقات!

شارك ما قرأت

حدثت الحياة - الرسالة الأولى
عن الوداعات..

اضف تعليقاً