مذكرات 01

نشر في: 12 مايو, 2022 | الأقسام: مذكرات | 10 تعليقات on مذكرات 01 |
يبدو الأمر كأن تعود للقيادة بعد سنوات من التوقف..
تظن نفسك أنك نسيت كيف تستخدم المقود، كيف تتحكم بسرعة السيارة، كيف تتفادى السيارة المتجهة نحوك؟
يمسّك الخوف والتردد عند كل منعطف في مشوارك الصباحي الأول..
أما مشوارك الليلي الأول سيكون فلم رعب.. يا إلهي كيف يقود الناس في الظلام مستدلّين بأنوار الشارع فقط؟

وبالتدريج.. مشوارك الأول، الثاني، الثالث، الرابع..

لتبدأ بالتعوّد مرة أخرى.. وتتذكر كيف كنت سائقاً ماهراً قبل ذلك.

يقولون أن لأعضاء جسدنا ذاكرة عضلية. فهي تحفظ حركاتها السابقة مهما توقفنا عن أداءها، وكل ما يحتاجه الأمر أن نعود لممارستها لوقت قصير حتى تستعيد مرونتها ومهارتها. ودماغك عضلة من هذه العضلات.

هذا يا صديقي ما تبدو عليه حياتك في الفترة التي تلي الفراق.. مرحلة الحزن الأولى..
ستُخبر نفسك كل يوم أنك لا تستطيع. هذا الألم أكبر من قدرتك على التحمّل!
تنسى كيف كنت تقضي الوقت وحيداً؟ ما الذي كان يملأ عليك لياليك الطويلة قبل أن تقضيها مع من تُحب؟
ستُجبر لإعادة تعلّم كيف تمضي الأربع وعشرون ساعة بمفردك كل يوم. يا إلهي! هذا الكثير من الوقت!

ستصحو باكياً في منتصف الليل بعد كابوس مزعج فيه من الذكريات ما يفوق قدرة دماغك النائم على معالجته. فسيوقظك خائفاً مستنجداً. أن ساعدني لأفهم ما يحدث! ولن تجد لمساعدته سبيلاً.

ستفعل ما يفعله الوحيدون.. مايفعله المجانين ربما..
ستجرّب كل حيلة سبق أن سمعتها لتجاوز مرحلة ما بعد الفراق، مهما كانت تبدو “مبتذلةً” بالنسبة لك.

ستذهب لتجرّب جلسة يوغا مجانية قرأت عنها على فيسبوك.
ستجلس وحيداً في المقهى الذي تحب محاولاً أن تكتب.
ستقرأ عن مهارات التعافي. ستحضر دورات تدريبية للسيطرة على مشاعرك.
ستعيد التقليب في الصور والفيديوهات في لياليك الطويلة مراراً وتكراراً، وستشرق عليك شمس اليوم التالي وأنت تُشكّك بصحة قرارك، وتجلد نفسك ظاناً أن ما بينكما كان لينجح لو أنك بذلت جهداً أكبر.
ستمشي في الشوارع التي حضنت ذكرياتكم وتبكي غير مبالياً بنظرات المارة من حولك.
ستبحث عن ذاك الكرسي الذي جلستم عليه للمرة الأولى في تلك الحديقة، لتجلس عليه مستمعاً لأغنيتكم المفضلة.
ستغلبك دموعك في مصعد أحد الأبنية لأن رائحة العطر التي تفوح من الشخص بجانبك، تُشبه تلك التي في ذاكرتك.
ستكره نفسك وسيكرهك أصدقائك لكثرة الحديث عن الموضوع ذاته كل يوم، وفي كل اجتماع.
ستزور عيادة طبيبك النفسي بتكرار أكثر من المعتاد، وستصحو كل يوم لتأخذ حبة الدواء كحِجاب يُبطِل أثر السحر الذي حلَّ بك.
ستخرج للمشي في السادسة صباحاً وفقاً لتعليمات طبيبك، وتجرب تمارين التنفس المطلوبة، باحثاً عن الخلاص مع كل زفير.

مبتذلة. ألم أقل لك؟ سلوكيات متكررة يفعلها الجميع، ولم تكن تتخيل أنك ستعيشها يوماً.
ولكن يبدو أن البشر يسلكون مسارات متشابهة بعد انتهاء العلاقات.

ستكون مرحلتك الجديدة، لتعيد اكتشاف الأماكن التي اعتدت القيادة فيها منفرداً بحرفيّة عالية.
ستعيد اكتشاف تضاريس شوارعها وستجتاز مطبّاتها.
ستتأقلم على القيادة بمفردك بعد أيام طويلة من اعتياد وجود مساعد إلى جانبك على طول الطريق.

ولكن لا بأس. ذلك سيصبح أسهل مع مرور الوقت. امشِ بهدوء ولا تتعجّل الوصول.
انتبه لإشارات المرور و استمع لتعليمات من حولك.
وكن لطيفاً مع نفسك وهي تعتاد مركز القيادة من جديد، وطبطب عليها واشكرها عند وصولك لوجهتك الأولى.
ترجّل عن مقعدك حينها، واستمتع بالمكان الذي وصلته..

ارفع رأسك نحو السماء شاكراً لأنك تستعيد السيطرة على حياتك وتتعلم الإبحار عبر طرقاتها وحدك.

ألم أخبرك أن دماغك عضلة تستعيد ذاكرتها بالمران؟ قلبك كذلك أيضاً.

الأغنية المرافقة

شارك ما قرأت

الأكل بوعي وارتباطه بمفهوم الصيام
في اليوم العالمي للصحة النفسية.. أنا ناجية!

10 Comments

  1. فاطمة 28 مايو, 2024 في 12:17 ص - الرد

    يبدو هذا النص سهلاً، مألوفاً… لكنّه مثل ما يحكي عنه، قادر على قلب المشاعر كلّها، تأجيج الذاكرة وربّما إيقاظ الشهقة العميقة حين نشتم رائحة العطر تلك… ❤️

  2. حنان حمادة 26 نوفمبر, 2022 في 4:49 م - الرد

    خطيرة أنت بتكتبي بطريقة سلسة وفيها تفاصيل وتشبيهات عبقرية 👏🏻👏🏻👏🏻 رااااااائعة ❤️❤️

  3. روح 24 نوفمبر, 2022 في 3:49 م - الرد

    ان شاء الله

  4. آلاء العيسى 11 يوليو, 2022 في 1:44 ص - الرد

    صح كتير

  5. Eman 31 مايو, 2022 في 10:31 م - الرد

    Love ❤️

  6. Batoul 31 مايو, 2022 في 10:18 م - الرد

    و في مكان آخر أحدهم يشتاق لوحدته ..الفراق بتعريفه هو الابتعاد عن ذاته بغض النظر عمن حوله.

  7. Alaa 31 مايو, 2022 في 10:03 م - الرد

    لم نكن نتخيّل أن نعيشها ! يا الله فعلاً

    عشتها ..
    و انا الآن في المستقبل، اقدّس حاضري و أشكر هذا المنعطف جداً !

    ابدعتِ .. ايتها اللّجين العميقة🤍

  8. أمير صبّاغ 12 مايو, 2022 في 11:54 م - الرد

    أصبحنا محاطين بضجيج دائم في حياتنا حتى بات الضجيج الذي بداخلنا أعلى منه…
    يرتفع هذا الضجيج كلما كنا وحيدين ومنعزلين، للحظة يصل ذروته ويبدأ بالانخفاض تدريجياً كلما أصبحنا ندرك ذاتنا دون ضجيج خارجي آخر!

  9. Danny 12 مايو, 2022 في 9:33 م - الرد

    lovely, as usual <3

اضف تعليقاً