علّمني الحب.. بمدرستك

نشر في: 27 سبتمبر, 2021 | الأقسام: كتب | 3 تعليقات on علّمني الحب.. بمدرستك |

عثرت من فترة على أغنية لـ مروان خوري بعنوان “مدرسة الحب” يقول فيها:
(علّمني الحب.. بمدرستك
أنا من يوم ما عرفتك عم بخلق من أول وجديد
صفّي عم عيد.. كأني ولد وتلميذ جديد
بمدرسة الحب..)
ومن حينها ظهر سؤالٌ ملّح في رأسي.. هل حقاً نحن قادرون على تعلّم الحب؟
لطالما ذُهلت من قدرة الناس بأن تأتي هذه الكلمة سهلة يسيرة على ألسنتهم.. كيف يعرفون أن ما يشعرون به تجاه الأشخاص والأشياء من حولهم هو الحب بشكله الحقيقي الأصيل؟
فأغلبنا لم يختبر هذا الشعور قبلاً بشكله السليم، حتى يكون قادراً على تمييزه ومبادلته للآخرين!

ولأني لا أعرف غير الكتب لإيجاد أجوبتي، فأنكبُّ عليها بحثاً عم أريد فهمه. أنهيت من عدة أيام كتاب (دروس الحب)، للعظيم جداً (آلان دو بوتون).
أحب آلان وكتاباته جداً، لديه قدرة عجيبة في الحديث عن أكثر الأفكار والمشاعر خصوصية وحساسية في النفس البشرية، بطريقة بسيطة وسلسة لا يصعب على أي متلقي فهمها واستيعابها.
أنصح بالاطلاع على موقعه والقناة التابعة له على يوتيوب باسم School of Life

يتحدث آلان في كتابه بطريقة روائية على لسان بطلي قصته رابح وكيرستن، عن مفهوم الحب والعلاقات الرومانسية ومراحلها وتحدياتها. يتحدث عنها شاملاً كل نواحي المعاناة اليومية لها، ومفسّراً أبسط السلوكيات والتصرفات فيها. أنصح به لكافة المرتبطين، والهادفين إلى بناء علاقة سليمة.

يتفق آلان في معظم الأفكار التي طرحها في كتابه مع المعالجين والخبراء النفسيين (الذين أتابعهم على الأقل)، بضرورة العودة إلى الطفل الداخلي والعمل على تشافيه قبل أو خلال تواجدنا ضمن أي علاقة، وضرورة فهمه واستيعابه، والطبطبة عليه، كمحاولة لفهم وتفكيك جذور مشاعره.
كيف سيساعدنا ذلك في العمل على علاقة عاطفية أفضل؟
وفقاً للخبراء، فإن أغلب تصرفاتنا الحدّية، المجنونة، اللاعقلانية، الغاضبة. ردّات فعلنا غير المنطقية على تصرفات قد تبدو للمراقب الخارجي تصرفات اعتيادية، يعود منشؤها إلى حدث ما حصل معنا في طفولتنا، فرسم في مخيلتنا صورة نمطية لما يجب عليه أن تكون استجابتنا الجسدية والنفسية والشعورية، في مواقف مشابهة. فدماغنا في أحيان كثيرة يكون غير قادر على تمييز الزمن الحقيقي الذي هو فيه، ويحاول أن يطابق ذكرياته وأحداثه المألوفة من الطفولة مع ما يختبره عندما يكبر. حيث يبقى الطفل المجروح فينا حبيساً يعبّر عن نفسه في هذه المواقف. كالفقد، والغضب، والعنف، والهجران، والرفض، وغيرها..
والحل يكون بأن نتقبّل هذا الطفل ونساعده على فهم مشاعره. أن نجلس معه ونعيد سرد القصص والأحداث التي ما زالت في ذاكرته، والتي دفعته للتصرف بهذه الطريقة لأول مرة. أن نستوعبه ونخبره بأن ما حصل حينها لم يكن ذنبه، وبأن ما يشعر به حقيقي ومفهوم.
قرأت يوماً مقولة تقول بما معناه “تكبر أنت جسدياً وعقلياً، ولكن الصوت الداخلي في رأسك يبقى يفكر ويتحدث بصوتك كطفل إلى الأبد”

حسناً لم نفهم إلى الآن ما علاقة ذلك بالحب، وبالعمل على شكل علاقة أفضل؟
كما شرح آلان في كتابه، فإن خلق علاقة حب متينة مع الشريك منوطٌ بإشراكه معنا في دواخلنا، بأن نشركه ونشاركه فيما نشعر وما يختلج في أعماقنا، وأن نسمح لذواتنا بأن نكون هشّين وضعيفين في حضوره. وأن نأخذ بيده لنفسّر له جذور تصرفاتنا، ليشعر بنفسه قريباً وقادراً على أن يبدّل مشاعر الغضب والحنق من ردات فعلنا الجنونية كبالغين، بمشاعر العطف والتفهم لطفلنا الداخلي واضطراباته. والتي شبهها آلان بأن يعتاد المرء الحياة المدنية بعد أن عاش عمراً كاملاً في بيئة حرب محميّاً ومسلّحاً. فالحب هو أن يمتلك كلٌّ منا الشجاعة الكافية لكي يواجه نفسه وشريكه، بمشاكله وأماكن ضعفه ومساوئه التي تؤثر على علاقتهما، أو على الأقل بنتائج هذه المشاكل، من دون مقاومة وأسلوب دفاعي، كأعزلٍ في ساحة حرب.
يقول الدكتور ستيفين براونلو وهو طبيب نفسي، في تغريدة له على حسابه:
“The intimacy you desire, require the vulnerability you avoid”
بمعني أن الحميمية التي ترجوها، تتطلّب الهشاشة التي تتفاداها.
لا علاقة ستكون قادرة على النجاة والاستمرار دون حدًّ أدنى من الضعف والحساسية.

يتحدث علم النفس مؤخراً عن مفهوم يدعى إعادة الأبوية أو Reparenting وهو حسب التعريف النفسي: منح نفسك مالم يتم منحه لك في طفولتك.
اسمح لنفسك من فترة لأخرى وحسب الحاجة، بأن تخبر الطفل الذي كنته بالجمل والعبارات التي كنت تتمنى لو قد تم إخبارك بها في حينها. اكتب له رسائل وأعد على مسامعه الجمل التي كان من الواجب أن يسمعها من مقدّمي الرعاية من حوله. (أنا أشعر بك، وما تحسّ به حقيقي، أنا أعتذر عمّا حصل، هذا ليس ذنبك..) وأيّاً كانت غيرها من العبارات التي ستساعده بأن يشفى ويتجاوز روحياً ونفسياً.

من الضروري جداً في العلاقة العاطفية أن يكون الطرفان على قدرٍ متقارب من الوعي النفسي بما سبق، وأن يعملان بشكل مشترك على تأمين المساحة الآمنة لكل منهما حتى لا يصير البوح والكشف أمام الطرف الآخر مخجلاً، عندما لا يلقى أذناً صاغية، وقلباً متقبلاً.

تحدث آلان في كتابه أيضاً عن نظرية الارتباط. فشرح كل من نمطي الارتباط وفق النظرية. الارتباط القلِق: والذي يميل نحو سلوك الخوف، والتمسك والسيطرة. والارتباط التَجَنُّبي: وهو الميل إلى مناورات التراجع الدفاعي. أنصح جداً بالقراءة والتعمّق أكثر في فهم هذه النظرية، إن كان من خلال هذا الكتاب، أو من مصادر أخرى. لما لها من أثر كبير في فهم أنماط وسلوكيات الارتباط الخاصة بنا وبالشريك. في القناة التابعة لـ آلان عدة فيديوهات تشرح عنها، يمكنكم الاطلاع عليها هنا.

من الأفكار الهامة المذكورة في الكتاب أيضاً، والتي للأسف ليست مطروقة في أوساطنا بالشكل الكافي، فكرة أن الحب مهارة. مهارة شأنها شأن الخياطة، والرسم، والطبخ. قابلة للتعلّم والتعليم. وبالتالي فإن عدم حصولنا على الحب بشكله المثالي في طفولتنا ليس عذراً ولا عائقاً يمنعنا من تقديمه لمن حولنا بطريقة أفضل! ساعدوا أنفسكم وشركائكم على تعلّم مهارة الحب.
وأقتبس قول دو بوتون: “الحب مهارة، وليس عاطفة وحماسة فحسب!”
وهذا ما تمّ تداوله بشكل خجول في أغانينا العربية. فاعترفت فيروز مسبقاً بقولها:
“علّموني هن علّموني.. على حبك فتحولي عيوني”
وقالها نزار على لسان كاظم: في قصيدته وأغنيته “علّمني حبك سيدتي”

ينهي آلان الكتاب بفكرة أن الواحد منا لن يشعر بأنه جاهزٌ للزواج إلا بعد دخوله إليه، فـ رابح -البطل-، تأكد من كونه جاهزاً للزواج بعد ستة عشر عاماً من زواجه الفعلي من زوجته نفسها. مستدلّاً بعدة عوامل. وجدت من المفيد ذكرها على لسانه، لتكون مؤشرات تساعدنا لقياس مدى جهوزيتنا لقرار مشابه.

  1. تخلّى عن طلب الكمال.
  2. نفض يده من إمكانية أن يفهمه أحداً فهماً تاماً.
  3. أدرك أنه شخص مجنون.
  4. فهم أن زوجته ليست هي الطرف الذي يصعب التعامل معه.
  5. أصبح مستعداً لأن يُحِب لا أن يُحَب.
  6. صار مدركاً الصعوبة الدائمة لتعايش الجنس مع الحب.
  7. لأنه يكون سعيداً بأن يُعلَّم، ويكون هادئاً عندما يُعلِّم.
  8. لأنهما مدركين -كل من رابح وكيرستن- في أعماقهما أنهما غير متوافقين.
  9. لأنه ضاق ذرعاً من نسخ الحب التي تقدمها الأفلام والروايات، والتي نادراً ما توافق الواقع.

أود أن أختم باقتباس من الكتاب، يلّخص -برأيي- أهم ركيزة من ركائز الحب:
“تُشدّد الرؤية الرومانسية للزواج على أهمية العثور على الشخص [الصحيح]. ويُفهم هذا بمعنى أن يكون الشريك شخصاً متّفقًا مع جملة ما لدينا من اهتمامات وقيَم. لا وجود لهذا الشخص على المدى البعيد. نحن بشر متنوعون وفريدون إلى حدٍّ بعيد. ولا إمكانية لوجود تطابق دائم. فليس الشريك الأنسب لنا هو حقاً من تشاء المصادفة (بفعل أعجوبة من الأعاجيب) أن يشاركنا كل ميلٍ وهوى. بل هو من يستطيع التعامل مع الميول تعاملاً ذكياً وراضياً. وبدلاً من فكرة واهنة عن التكامل التام، فإن القدرة على قبول اللّاتماثل قبولاً متسامحاً، هي ما يشير إلى الشخص [الصحيح]. التوافق أمرٌ ينجزه الحب، وليس شرطاً يسبقه.”

أن نكون قادرين على أن نكون جزءاً من علاقة صحية، نمارس فيها الحب بمعناه الأصيل، ونفتح قلوبنا وعقولنا، يعني أن ندخل إليها حاملين راية مكتوب عليها كما قالها ملحم بركات: “أنا ما بعرف علّمني..!”

تنويه: كافة ما سبق من معلومات، هي استنتاجات ومقاربات من الكتاب نفسه، أو من مصادر واطلاعات أخرى، بالإضافة إلى تجارب ورؤية شخصية. لست اخصائية نفسية، ولا أنصح بتطبيق أي مما ورد في هذه التدوينة دون استشارة مختص.

Photo by Christopher Beloch on Unsplash

شارك ما قرأت

حتى أتخلّى عن فكرة البيوت
في اليوم العالمي للصحة النفسية.. أنا ضحية!

3 Comments

  1. حنان حمادة 26 يونيو, 2023 في 11:15 م - الرد

    خطيرة أنت ❤️ ومثقفة اكتر من اللازم انا عندي متعة كبيرة بقراءة كل شي بتكتبيه ودايما بعيده اكتر من مرة كتر مابيعجبني ومابمل ابدا ً..
    اكتبي دايما ولاتوقفي

  2. Dania 28 سبتمبر, 2021 في 9:36 م - الرد

    كتير حلوة المدونة كالعادة ❤️
    و الاقتباس يلي شاركتيه بالأخير لفتلي نظري انو العلاقات المثالية بشكل عام ولو بس رفقات هي “قائمة على قبول اللا تماثل قبولاً متسامحاً
    لهيك اوقات اعز اصدقائنا ممكن يكونو كتير مختلفين عنا بتفضيلاتن ؛) ، بس “متقبلين اللاتماثل قبولاً متسامحاً”

اضف تعليقاً