جوي أورد – العرب يحتفون بعقدة الرجل الأبيض

شهدت الرياض اليوم ضمن فعاليات موسم الرياض ما أطلقوا عليه الحدث الأضخم عربياً في مجال صناعة الفن والترفيه جوي أورد.
بعيداً عن صوابية إقامة حفلات وفعاليات كهذه في خضم ما تعيشه المنطقة والبلدان العربية اليوم، لكونها قضية جدليّة وسياسية لا أقوى على خوضها. تابعت الحدث كاملاً واستمتعت به، فالفن بكل أشكاله هو إحدى المتع الخالصة، كيف لو كان هذا الفن بأيادٍ عربية، وعلى منصة عربية في بلد عربي.

ما لفتني وأثار استغرابي خلال متابعته، أننا كعرب مهما حاولنا إظهار فخرنا واحتفالنا بما استطعنا الوصول إليه، ما تزال عقدة الرجل الأبيض تعشعش في أذهاننا. ولأسقط ذلك على الحفل المذكور. فالمملكة العربية السعودية تحقق اليوم في مجال الترفيه ما لم يسبق على عالمنا العربي أن شهد له مثيلاً من قبل. إنتاجات ضخمة، ومهرجانات وحفلات وموارد كبيرة تُبذل من قبل ما يسمى بهيئة الترفيه في المملكة، للعمل على دفع عجلة الفن بكافة أشكاله في العالم العربي. وبكون كل العاملين في هذا المشروع والمستهدفين منه عرب، لا أفهم لماذا تم إقحام الغرب دون سبب يُذكر!

تم تكريم الفنانة إسعاد يونس بجائزة الإنجاز مدى الحياة، حيث تم تقديمها من قبل فنان هندي، تلعثم أثناء ذكر اسمها.
وحين ألقت كلمتها قالت: “لازم احنا كعرب نلتحم ونثبت إننا منقلّش مكانة عن العالم كله”.
ما مشكلة العربي في محاولته الدائمة بأن “يثبت” للغربي بأنه يستحق؟
من الذي قرر أن الغرب -والفن العالمي في هذه الحالة-، هو من يعطي تصاريح الأحقيّة والجدارة للفن في باقي دول العالم؟

يعرّف خبراء علم الاجتماع (عقدة الرجل الأبيض) بكونها نظرية عنصرية متكاملة تقسّم البشر إلى أجناس غير متساوية القيمة. أجناس عليا تمثل الرجال البيض، وأجناس دنيا تمثل الرجال السود ولواحقهم والمهجنين. وحسب هذه النظرية يمنح للرجال البيض كل الحقوق والامتيازات، فيما يبقى الرجال السود مجرد عبيد ينتمون إلى ثقافات بدائية متوحشة ومتخلفة.
وباستخدام هذه النظرية تم الترويج لاستعمار الشعوب “الأدنى” بهدف مساعدتهم وإصلاحهم من قبل الشعوب النخبوية، ليتم إعادة تأهيلهم ومن ثم استحقاقهم ليكونوا من ضمن مرتبة البشر.

انبهارنا الدائم والتماهي مع ما يقدمه وينتجه الغرب جذره الأساسي يعود لهذه العقدة التي توارثناها على مر السن. فتجدنا كأفراد أو جماعات أو حتى بلدان وحكومات، في سعي مستمر لنثبت للرجل الأبيض (إنه صدقنا نحنا نضاف ومتحضرين ومنستحق الاحترام)

ودعوة فنان فرنسي لتقديم منى واصف في تكريمها بجائزة الإبداع مدى الحياة، لهو إثبات كامل الأركان لهذه العقدة.
وقف الفنان الفرنسي إياه على المسرح بعد أن ألقت منى واصف خطاباً مؤثراً بكت فيه وأبكت الحاضرين، محاولاً أن يستوعب ما يحدث حوله.
وأكاد أجزم أنه كان يسأل في قرارة نفسه (أنا شو جابني لهون؟)
من أين له أن يعرف بأن وجوده جزءاً من صورة عامة نوّد كعرب إثباتها؟ وعقدة نقص نحاول أن نملأها؟

ماذا يعرف (جان رينو) عن (سنديانة الفن السوري) حتى يكون مدعواً لتقديمها؟
كيف سيفهم المشاهد التي تم استعراضها من مسيرتها الفنية عند إعلان التكريم وهي تدندن “هالأسمر اللون”؟
هل انطبع في مخيلته دورها في فلم الرسالة بشخصية هند بن عتبة ومشهد استشهاد حمزة بن عبد المطلب كما انطبع في مخيلة أجيال كاملة؟
ما ذكرياته المشتركة مع مسلسلاتها ومع ما قدمته من تاريخ فني؟

كان المسرح يمتلئ بالتصفيق حينما يخرج إحدى الفنانين أو الفنانات الأجانب ويحيّوا الجمهور بكلمة (مارهابا أو سلامو الايكم).
تعلّمت كلمات من لغتنا لتلقي علينا السلام في حفل يقام في بلد عربي وبجمهور عربي؟
يا لكرمك أيها الرجل الأبيض!

في حديث عائلي مؤخراً كانت أختي (المقيمة في هولندا)، تشتكي من بطء وبيروقراطية النظام الطبي في أوروبا، وشاركتها أنا في ذلك من تجارب مشابهة سمعتها لأصدقاء لي هنا في بريطانيا.
لتجيب أمي (يعني مو معقول يكون النظام الطبي هيك سيء بلا سبب. أكيد في شي هنن بيعملوه أو عم يحاولوا يعملوه ونحنا ما منعرفه. أنا مستحيل صدق إنه هنن فاشلين)
لا ألوم أمي، فهي حالها كحال الكثيرين -وأنا منهم أحياناً- ممن رسموا صورة مثالية عن الغرب. المقتنعون دوماً بأن المشكلة في فهمنا لنظامهم لا في النظام ذاته. (هنن ما بيغلطوا استغفر الله!)
وأتفهم طبعاً أن خروجنا من عباءة الرجل الأبيض، وشعورنا الدائم بأنه الأذكى والأفضل وصاحب الامتيازات العليا، لن يحصل بين ليلة وضحاها.
خاصة أنها ما زالت مسيطرة على حكومات بأكملها، فنحن كأفراد ما زال أمامنا طريق طويل.

نرى أيضاً هذه العقدة متجلّية بشكل واضح في التغطية الإعلامية للحروب والكوارث. فدائماً ما تنتشر صورة طفل المخيّم ذو العيون الزرقاء. كمحاولة لا واعية مننا لاستجداء عطف الغرب وكأننا نقول له (شوف نحنا ولادنا بيشبهوا ولادكم ولهيك بيستحقوا يعيشوا حياة منيحة)

خلال تكريم طاقم عمل مسلسل الوصاية، حدث عطل فني لم يتمكّن بسببه الفنان الأجنبي من قراءة التعريف عن المسلسل، مما سبب صمتاً مفاجئاً وحرجاً في البث المباشر.
عمل فني كمسلسل الوصاية، يناقش قضية اجتماعية مهمة للعالم العربي. ألم يكن هناك بديل عربي لتقديمه وتقديم نجمته؟ وبالتالي قدرته على الارتجال في موقف كهذا؟ ما الفائدة المرجوّة من أن (ندحش) الرجل الغربي في احتفالاتنا دونما سياق وبطريقة خاطئة حتى؟
أليس عندهم ما يكفي من المهرجانات والجوائز لتحتفي بهم وتشاركهم نجاحاتهم؟

أما مللتم من محاولتكم المستمرة لإثبات فكرة عن العرب هم من زرعوها فينا أصلاً؟
كأن يسألك أحدهم حينما تخبره أنك من سوريا/الإمارات/السعودية/العراق.. (do you still live in tents?)
لا يا حبيبي، لا نعيش في الخيمة. وإن كانت هذه فكرتك عن العرب فهذه مشكلتك وجهل منك، وليست مسؤوليتي أن أجعل قضية حياتي هي بأن أثبت لك العكس. أنا شخصياً مللت.

بقدر استمتاعي بحضور الحفل، شعرت بخيبة أمل لأننا -كعرب- وفي المرحلة التي أصبحنا قادرين فيها على أن نصنع مهرجاناتنا واحتفالاتنا الخاصة، مازلنا ندعوهم -دون سبب- لنحصل على موافقتهم ومباركتهم.
وكأننا على عكس الحكمة القائلة “لا تتسلّق الجبال ليراك العالم.. تسلّقها لكي ترى أنت العالم”
نحن نبذل كل جهدنا لنتسلّق الجبل وبعدها يُبَحُّ صوتنا ننادي ليرانا العالم.

بعيداً عن فلسفة الحفل وتحليلاته وأبعاده.
سعدت جداً -وبكيت كثيراً- في كل مرور أو تكريم أو ترشيح لفنان سوري. وإذا كان لشعور الفخر وصفاً، فسيكون حتماً ما شعرت به اليوم.
فخورة بأن الفنان السوري ودون أي دعم محلي يُذكر قادر على الوصول والتأثير، وبأن اسم سوريا ما يزال يرنُّ على المسارح.

(وإذا حدا بيعرف ليه ناصيف زيتون ما كان موجود خبروني 😂)

شارك ما قرأت

أنا لا أملك ترف أن أكون فرداً
الرسالة الثانية

15 Comments

  1. mary 7 يوليو, 2024 في 2:23 م - الرد

    كانت عاجبتني مدوناتك ع اساس انك بنت واعيه، مثقفه و ( مش عنصرية ) لو كان هدا الشي عن اي بلد تاني غير السعودية كنتي صفقتيلهم !
    + حتى عند الغرب بيقدموها ناس تانيين مالهم علاقه بالمجال دايما غير انو البلد حابه تصير مهرجاناتهم عالميه ف محتاجين يستضيفو نجوم من كل مكان

    خلصت كل مواضيع العالم ؟ والاحتفالات الي بتصير بمصر وب كل مكان تاني ؟ ليش بس تحكي عن السعودية تحديدا ( عقدة الخليج )؟

  2. Fatima 21 يناير, 2024 في 7:40 م - الرد

    أتفق جداً 💯
    بالإضافة إلى أنه عندي فضول أعرف شو مشان الحرص دائماً على وجود جورجينا صديقة كريستيانو بهيك مناسبات! هي اصلاً شو عم تقدم؟
    ولسا الواحد شو يحكي عن الموقف السخيف اللي انحط فيه قيس الشيخ نجيب اثناء مقابلته!
    بصراحة ابدعتي بحييكِ 👏🏻

  3. تغريد موسى 21 يناير, 2024 في 6:56 م - الرد

    👏👏💓

  4. منتصر 21 يناير, 2024 في 4:56 م - الرد

    اتفق معك تماما، وكتير حلو اللي كاتبتبيه، اللي بيخطر ببالي فوق عقدة الرجل الابيض، انو نحنا دايما منميل لنجيب النماذج الجاهزة بدون ما نسال حالنا ليش عم نعمل هيك حفل، وهل منقدر نعمل شي بالمضمون اعظم …. ولكن دايما منختار مانفكر، ما نطور غير الشكل.

  5. dalia 21 يناير, 2024 في 1:54 م - الرد

    كتير بتفق معك ..اتدايقت وقت شفت الممثلين الاجانب وياريت اقتصر دورهن بس حضور لا وخصّوهم بالتقديم كمان .!!…

  6. Sema 21 يناير, 2024 في 12:38 م - الرد

    كلام جميل

  7. midoodj 21 يناير, 2024 في 12:37 م - الرد

    نسميها في مصر (عُقدة الخواجة) حتى في مجال تجربة المستخدم وتصميم واجهة الاستخدام لدينا نفس العقد وحاولت الكتابة عن هذا الأمر مؤخرًا على مدونتي

  8. نور 21 يناير, 2024 في 12:24 م - الرد

    اتفق معك بصراحة احس بالازعاج من هذا الدمج الي نحاول نعمله واتمنى ان نتجاوز يوما ما

  9. Roua 21 يناير, 2024 في 8:37 ص - الرد

    🫂🤍

  10. شيرين رسول 21 يناير, 2024 في 5:11 ص - الرد

    جميل ماخطت به أناملك،دمتي ودامت كلماتك….

اضف تعليقاً