حتى أتخلّى عن فكرة البيوت

نشر في: 31 أغسطس, 2021 | الأقسام: كتب | 2 تعليقات on حتى أتخلّى عن فكرة البيوت |

أرغب منذ فترة طويلة في الكتابة عن أفكار عدة تجول في رأسي، عن الانتماء، عن النجاة وعن الحب..
تعثرت من عدة أيام بكتاب أشعار بعنوان “حتى أتخلّى عن فكرة البيوت” لـ إيمان مرسال
ووجدت أغلب ما كنت أودّ قوله ممثلاً بنصوصها، فوددت مشاركتها لما لمسته عميقاً في قلبي..
وحتى يحين موعد أن أكتب عمّا أريد قوله بحروفي أنا، سأظلُّ شاكرة للكلمات أياً كان قائلها، لأني معها فقط أشعر أني أقل وحدة..
أو كما قالت إيمان في كتابها “كلّما تكوّنت كلمة التأم جرحٌ ما في هذا العالم”

فيما يلي مقتطفات من الكتاب، أنصح بقراءتها مرفقة بالموسيقا..

 

كثير من ألعاب الطفولة يقوم على فقد حاسة من الحواس الأساسية، فمثلاً لعبة الحجلة تتطلب من اللاعب الماهر أن ينطّ من مربعٍ إلى آخر بقدمٍ واحدة بينما الأخرى معطلة في الهواء، كأنها قطعت منذ زمن كاف ليتدرب على القفز بدونها.
ربما أنا في هذه القارة كي أمشي وحدي لعدة أيام أو سنوات وكأن لا أحد هناك يحتاجني، ينتظرني، يطالبني، يُحبني، يستوحشني، يخاف عليّ.
الحجلة ليست إلا مجازاً فاشلاً لأنني في الحقيقة وأنا هنا أحتاج كل هؤلاء الذين أصحو وأنام بدونهم، وأعرف تماماً أن البعد لم يقلل من وطأة الذنب.
“الذنب”، الكلمة التي ترن بداخلي كلما تذكرت أنني “من هناك”، لقد أصبحت حتى أكثر وأكثر “من هناك” منذ غادرت هناك.

———————————————————-

يبحث الواحد عن الحب ثم لا يعرف ما الذي يصنع به. تقبض اليدُ على اليد ثم تخاف أن يقيّدها ما تقبض عليه. يتردّدُ في الأذن صوتٌ بعينه، ثم لا تحتمل أن تحتفظ به يوماً آخر.
كأنني أحدّق في عتمة الرحم بحثاً عن البويضة السعيدة، أنتظر معها عقوداً ملتصقة مثلها بالجدار، لحظة النضج والتحرر، الدفء والتحقق، الالتحام والخلق. ثم لا أعرف إذا كانت الحياة تحتاج حقاً طفلاً آخر أم لا.

———————————————————-

من العطش والجوع فتّشت بعيونك في السماء، بأظافرك في تلال من الرمل، بأذنك عن نباح يدل على ديار، وبلسانك في الصخور التي لا تلمع إلا من بعيد. لو كنت تعلّمت كيف تصلي لواحد من الآلهة لجثوت على هاتين الركبتين. ربما لم يكن مشياً، كان حبْواً في ممرات يُسلِّمكَ ضيقها إلى الأكثر ضيقاً. في كل منعطفٍ رجع ناسٌ وها أنت قد خرجت وحيداً من الممر المعتم الذي لم يكن أبداً يتسع لاثنين.
هل هذه النجاة؟
هل النجاة أن تكون في صحراء كهذه وتحت قدميك جوهرة لم تكن تعرف أنك تبحث عنها؟

———————————————————-

كنت أظن أن هناك شراً كثيراً في العالم
فرغم أنني أكثر أصدقائي حناناً، لم أر وردة على مائدة إلا وطحنت طرْفها بين الإبهام والسبّابة لأتأكد أنها ليست من البلاستيك.
مؤخراً بدأت أشك في وجود الشرِ أصلاً
كأنَّ الأذى كله يكون قد حدثَ بالفعل
في اللحظةِ التي نتأكد فيها
أن الكائنات التي أدميناها كانت حقيقية.

———————————————————-

لم يحدث هذا في بيت أهلي، بالتأكيد ليس بين من ظننت أنهم يعرفونني.
حياتي التي فشلت دائماً في لمسها، في أن أجد صورة لي معها، بجانبي على نفس السرير، تفتح عينيها بعد غيبوبة طويلة، تتمطّى كأميرة واثقة أن قصر أبيها محميٌّ من اللصوص، أن السعادة تحت الجلد رغم الحروب التي لا تنام.
تلك الحياة التي حشر فيها أكثر من أب طموحه، أكثر من أم مقصّاتها، أكثر من طبيب مهدئاته، أكثر من مناضل سيفه، أكثر من مؤسسة غباوتها.
حياتي التي جرجرتها خلفي من مدينة لمدينة، وانقطعت أنفاسي في الجري وراءها من المدرسة إلى المكتبة ومن المطبخ إلى البار، من الناي إلى البيانو، ومن ماركس إلى المتاحف، ومن ذكرى رائحة جسد إلى الحلم بصالةٍ في مطار، ومن كل ما لا أعرفه إلى كل ما لا أعرفه. حياتي التي فشلت بالتأكد من وجودها تفتح عينيها بعد غيبوبة طويلة.
أمامي طابورٌ من الموتى الذين ماتوا ربما لأنني أحببتهم، بيوتٌ للأرق داومت على تنظيفها بإخلاصٍ في أيام العطلات، هدايا لم أفتحها لحظة وصولها، قصائد سُرقت مني سطراً سطراً حتى أنني أشك في انتمائها لي، رجالٌ لم أقابلهم إلا في الوقت الخطأ، ومصحّات لا أتذكر منها إلا الحديد على الشبابيك. أمامي حياتي كلها، حتى أنه يمكنني ضمّها إذا شئت، يمكنني حتى الجلوس على ركبتيها والغناء أو العويل.

———————————————————-

بعتُ أقراطي في محل الذهب لأشتري خاتماً من سوق الفضة. استبدلته بحبرٍ قديم وكرّاسٍ أسود. حدث ذلك قبل أن أنسى الصفحات على مقعد قطار كان من المفروض أن يوصلني إلى البيت. وكان كلما وصلت إلى مدينة بدا لي بيتي في مدينةٍ أخرى.
تقول أولجا من دون أن أحكي لها ما سبق: “البيت لا يصبح بيتاً إلا لحظة بيعه، تكتشف احتمالات حديقته وغرفه الواسعة في عيون السمسار، تحتفظ بكوابيسك تحت السقف نفسه لنفسك، وسيكون عليك أن تخرج بها في حقيبة أو اثنتين على أحسن الفروض”.
زوج أولجا لا يزال يظن أن البيت هو الصديق الوفي عندما يصبح أعمى، أركامه تحفظ خطواته وسُلّماته ستحميه برحمتها من السقوط في العتمة.
أبحث عن مفتاح يضيعُ دائماً في قعر الحقيبة، حيث لا تراني أولجا وزوجها، حيث أتدرّب في الحقيقة حتى أتخلّى عن فكرة البيوت.
كل مرةٍ تعود إليه وتراب العالم على أطراف أصابعك، تحشر ما استطعت حمله في خزائنه. مع ذلك ترفض أن تعرّف البيت بأنه مستقبِل الكراكيب، حيث أشياء ميتة كانت قد بدت في لحظةٍ ما تفاوضاً مع الأمل.
ليكن البيت هو المكان الذي لا تلاحظ البتّة إضاءته السيئة، جدارٌ تتسع شروخه حتى تظنها يوماً بديلاً للأبواب.

شكراً لـ ميساء منصور على مراجعة الكتاب واقتراحه
رابط الكتاب على غودريدز

شارك ما قرأت

جيل غير سعيد
علّمني الحب.. بمدرستك

2 Comments

  1. Asmaa 7 مارس, 2022 في 9:28 م - الرد

    كتير حلو بالرغم مابحب القراءة بس تحركت جواتي مشاعر انو بجد انا بحاجة قراءة كتاب متل هيك❤️

اضف تعليقاً